كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **


<تنبيه> في خبر لأبي نعيم في الحلية بدل قوله هنا بهم تقوم الأرض إلخ بهم يحيى ويميت ويمطر وينبت ويدفع البلاء قال‏:‏ وقيل لابن مسعود راوي الخبر‏:‏ كيف بهم يحيي ويميت ويمطر قال‏:‏ لأنهم يسألون اللّه عزّ وجلّ إكثار الأمم فيكثرون ويدعون على الجبابرة فيقصمون ويستسقون فيسقون ويسألون فتنبت لهم الأرض ويدعون فيدفع بهم أنواع البلاء‏.‏ ‏(‏تتمة‏)‏ روى الحكيم الترمذي أن الأرض شكت إلى ربها انقطاع النبوة فقال تعالى‏:‏ فسوف أجعل على ظهرك أربعين صديقاً كلما مات رجل منهم أبدلت مكانه رجلاً ولذلك سموا بدلاً أبدال اللّه أخلاقهم فهم أوتاد الأرض وبهم تقوم الأرض وبهم تمطرون‏.‏

- ‏(‏طب عنه‏)‏ أي عن عبادة قال المصنف‏:‏ سنده صحيح‏.‏

3034 - ‏(‏الأبدال في أهل الشام وبهم ينصرون‏)‏ على العدو ‏(‏وبهم يرزقون‏)‏ أي يمطرون فيكثر النبات ‏{‏وفي السماء رزقكم وما توعدون‏}‏ ولا ينافي تقييد النصرة هنا بأهل الشام إطلاقها فيما قبله لأن نصرتهم لمن هم في جوارهم أتم وإن كانت أعم ‏.‏

<فائدة> قال العارف ابن عربي رضي اللّه عنه في كتاب حلية الأبدال‏:‏ أخبرني صاحب لنا قال‏:‏ بينا أنا ليلة في مصلاي قد أكملت وردي وجعلت رأسي بين ركبتي أذكر اللّه تعالى إذ حسست بشخص قد نفض مصلاي من تحتي وبسط عوضاً عنه حصيراً وقال‏:‏ صلي عليه وباب بيتي عليّ مغلوق فداخلني منه فزع فقال لي‏:‏ من يأنس باللّه لم يجزع ثم قال‏:‏ اتق اللّه في كل حال ثم إني ألهمت الصوت فقلت‏:‏ يا سيدي بماذا تصير الأبدال أبدالاً فقال‏:‏ بالأربعة التي ذكرها أبو طالب في القوت‏:‏ الصمت والعزلة والجوع والسهر ثم انصرف ولا أعرف كيف دخل ولا كيف خرج وبابي مغلوق انتهى‏.‏ قال العارف ابن عربي‏:‏ وهذا رجل من الأبدال اسمه معاذ بن أشرس والأربعة المذكورة هي ‏[‏ص 169‏]‏ عماد هذا الطريق الأسنى وقوائمه ومن لا قدم له فيها ولا رسوخ فهو تائه عن طريق اللّه تعالى قال‏:‏ وإذا رحل البدل عن موضع ترك بدله فيه حقيقة روحانية يجتمع إليها أرواح أهل ذلك الموطن الذي رحل عنه هذا الولي‏.‏ فإن ظهر شوق من أناس ذلك الموطن شديد لهذا الشخص تجسدت لهم تلك الحقيقة الروحانية التي تركها بدله فكلمتهم وكلموه وهو غائب عنهم وقد يكون هذا من غير البدل لكن الفرق بينهما أن البدل يرحل ويعلم أنه ترك غيره وغير البدل لا يعرف ذلك وإن تركه لأنه لم يحكم هذه الأربعة المذكورة في ذلك قلت‏:‏

يا من أراد منازل الأبدال * من غير قصد منه للأعمال

لا تطمعن بها فلست من أهلها * إن لم تزاحمهم على الأحوال

واصمت بقلبك واعتزل عن كل من * يدنيك من غير الحبيب الوالي

وإذا سهرت وجعت نلت مقامهم * وصحبتهم في الحل والترحال

بيت الولاية قسمت أركانه * ساداتنا فيه من الأبدال

ما بين صمت واعتزال دائم * والجوع والسهر النزيه العالي

- ‏(‏طب عن عوف بن مالك‏)‏ قال المصنف‏:‏ سنده حسن‏.‏

3035 - ‏(‏الأبدال بالشام وهم أربعون رجلاً كلما مات رجل أبدل اللّه مكانه رجلاً يسقى بهم الغيث وينتصر بهم على الأعداء ويصرف عن أهل الشام بهم العذاب‏)‏ زاد الحكيم في رواية عن أبي الدرداء لم يسبقوا الناس بكثرة صلاة ولا صوم ولا تسبيح ولكن بحسن الخلق وصدق الورع وحسن النية وسلامة الصدر ‏{‏أولئك حزب اللّه ألا إن حزب اللّه هم المفلحون‏}‏ سموا أبدالاً لأنهم قد يرحلون إلى مكان ويقيمون في مكانهم الأول شخصاً آخر يشبههم كما تقرر وإذا جاز في الجن أن يتشكلوا في صور مختلفة فالملائكة والأولياء أولى وقد أثبت الصوفية عالماً متوسطاً بين عالم الأجسام وعالم الأرواح سموه عالم المثال وقالوا‏:‏ إنه ألطف من عالم الأجساد وأكثف من عالم الأرواح وبنوا على ذلك تجسد الأرواح وظهورها في صور مختلفة من عالم المثال وقد وجه تطور الولي بثلاثة أمور‏:‏ الأول أنه من باب تعدد الصور بالتمثيل والتشكل كما يقع للجان، الثاني من طي المسافة وزوي الأرض من غير تعدد فيراه الرائيان كل في بنية وهي بنية واحدة لكن اللّه طوى الأرض ورفع الحجب المانعة من الاستغراق فظن به أنه في مكانين وإنما هو في واحد وهذا أجود ما حمل عليه حديث رفع بيت المقدس حتى رآه النبي صلى اللّه عليه وسلم، الثالث أنه من باب عظم جثة الولي بحيث ملأ الكون فشوهد في كل مكان‏.‏

- ‏(‏حم عن عليِّ‏)‏ أمير المؤمنين كرم اللّه وجهه قال المصنف‏:‏ أخرجه عنه أحمد والحاكم والطبراني من طرق أكثر من عشرة‏.‏

3036 - ‏(‏الأبدال أربعون رجلاً وأربعون امرأة كلما مات رجل أبدل اللّه تعالى مكانه رجلاً وكلما ماتت امرأة أبدل اللّه تعالى مكانها امرأة‏)‏ فإذا كان عند قيام الساعة ماتوا جميعاً ثم إنه لا تناقض بين أخبار الأربعين والثلاثين لأن الجملة أربعون رجلاً منهم ثلاثون قلوبهم على قلب إبراهيم وعشراً ليسوا كذلك فلا خلاف كما يصرح به خبر الحكيم عن أبي هريرة‏.‏

- ‏(‏الخلال‏)‏ في كتابه الذي ألفه ‏(‏في كرامات الأولياء فر عن أنس‏)‏ وأورده ابن الجوزي في الموضوع ثم سرد ‏[‏ص 170‏]‏ أحاديث الأبدال وطعن فيها واحداً واحداً وحكم بوضعها وتعقبه المصنف ‏[‏أي السيوطي‏]‏ بأن خبر الأبدال صحيح وإن شئت قلت متواتر وأطال ثم قال مثل هذا بالغ حد التواتر المعنوي بحيث يقطع بصحة وجود الأبدال ضرورة اهـ‏.‏ وقال السخاوي‏:‏ خبر الأبدال له طرق بألفاظ مختلفة كلها ضعيفة ثم ساق الأحاديث المذكورة هنا-‏[‏أنظر الأحاديث 3032، 3033، 3034، 3035، 3037‏.‏ دار الحديث والحاصل كما ذكر السيوطي أن وجود الأبدال تواتر معنويا، حيث أن تعريف الخبر المتواتر هو ما بلغت طرقه حدا يستحيل معه التواطؤ على الكذب، وذلك بصرف النظر عن صحة تلك الطرق‏.‏ فكيف وقد حكم بصحة بعض هذه الطرق أو حسنه‏.‏ فنسأل الله أن يوفقنا لقبول الحق ويعصمنا من التعصب آمين‏.‏ دار الحديث‏]‏- ثم قال‏:‏ وأصح مما تقدم كله خبر أحمد عن عليٍّ مرفوعاً البدلاء يكونون بالشام وهم أربعون رجلاً كلما مات رجل أبدل اللّه مكانه رجلاً يسقى بهم ‏[‏أي بدعائهم‏]‏ الغيث وينتصر بهم على الأعداء ويصرف بهم عن أهل الشام العذاب ثم قال، أعني السخاوي، رجاله رجال الصحيح غير شريح بن عبيد وهو ثقة اهـ‏.‏

وقال شيخه ابن حجر في فتاويه‏:‏ الأبدال وردت في عدة أخبار منها ما يصح وما لا وأما القطب فورد في بعض الآثار وأما الغوث بالوصف المشتهر بين الصوفية فلم يثبت‏.‏

3037 - ‏(‏الأبدال من الموالي‏)‏ ظاهره أن ذا هو الحديث بتمامه وليس كذلك بل بقيته عند مخرجه الحاكم‏:‏ ولا يبغض الموالي إلا منافق اهـ‏.‏ وفي بعض الروايات أن من علامتهم أيضاً أنه لا يولد لهم وأنهم لا يلعنون شيئاً قال الغزالي‏:‏ إنما استتر الأبدال عن أعين الناس والجمهور لأنهم لا يطيقون النظر إلى علماء الوقت لأنهم عندهم جهال باللّه وهم عند أنفسهم وعند الجهلاء علماء‏.‏ ‏(‏خاتمة‏)‏ قال ابن عربي‏:‏ الأوتاد الذين يحفظ اللّه بهم العالم أربعة فقط وهم أخص من الأبدال والإمامان أخص منهم والقطب أخص الجماعة والأبدال لفظ مشترك يطلقونه على من تبدلت أوصافه المذمومة بمحمودة ويطلقونه على عدد خاص وهم أربعون وقيل ثلاثون وقيل سبعة ولكل وتد من الأوتاد الأربعة ركن من أركان البيت ويكون على قلب عيسى له اليماني والذي على قلب نبي من الأنبياء فالذي على قلب آدم له الركن الشامي والذي على قلب إبراهيم له العراقي والذي على قلب محمد له ركن الحجر الأسود وهو لنا بحمد اللّه‏.‏

- ‏(‏الحاكم في‏)‏ كتاب ‏(‏الكنى‏)‏ له ‏(‏عن عطاء‏)‏ بن أبي رباح ‏(‏مرسلاً‏)‏ وظاهر صنيع المصنف أن هذا لا علة له غير الإرسال والأمر بخلافه بل فيه الرحال ابن سالم قال في الميزان‏:‏ لا يدرى من هو والخبر منكر اهـ‏.‏ وخرجه عنه ‏[‏أي عن عطاء‏]‏ أيضاً أبو داود في مراسيله وإنما خالف المصنف ‏[‏أي السيوطي‏]‏ عادته باستيعاب هذه الطرق إشارة إلى بطلان زعم ابن تيمية أنه ‏"‏لم يرد لفظ الأبدال في خبر صحيح ولا ضعيف إلا في خبر منقطع‏"‏ فقد أبانت هذه الدعوى عن تهوره ومجازفته ‏[‏أي ابن تيمية‏]‏ وليته نفى الرواية ‏[‏أي وليته حكم بعدم صحة الأحاديث‏]‏ بل نفى الوجود ‏[‏أي نفى أن يكون قد ورد لفظ الأبدال في خبر صحيح أو ضعيف‏]‏ وكَذّبَ من ادعى الورود ثم قال‏:‏ وهذا التنـزل لهذا العدد ليس حقاً في كل زمن فإن المؤمنين يقلون ويكثرون وأطال وهو خطأ بين بصريح هذه الأخبار بأن كل من مات منهم أبدل بغيره‏.‏

وهذه الأخبار وإن فرض ضعفها جميعها لكن لا ينكر تقوّي الحديث الضعيف بكثرة طرقه وتعدد مخرجيه إلا جاهل بالصناعة الحديثية أو معاند متعصب، والظن به أنه من القبيل الثاني-ما بين الأقواس المربعة أعلاه ‏[‏هكذا‏]‏، هو من دار الحديث‏.‏

ولا يخفى ما في كلام المناوي من شدة قد اعترت الكثير من العلماء - ومنهم ابن تيمية نفسه - في معالجة بعض الأمور التي اشتد فيها الخلاف‏.‏ والمتحتم علينا أن نظن الخير بحسن نياتهم جميعا، حيث كانوا كالمجتهدين في مثل هذه الأمور، وللمخطئ منهم أجر وللمصيب أجران كما ورد في الحديث 565‏:‏ ‏"‏إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر واحد‏"‏‏.‏ وعلينا، إن أردنا البحث في هذه الأمور، اختيار الحق بدون تعصب، والتحرز عما قد يجرح الطرف الآخر‏.‏ دار الحديث-

3038 - ‏(‏الأبعد فالأبعد‏)‏ أي من داره بعيدة ‏(‏من المسجد‏)‏ الذي تقام فيه الجماعة ‏(‏أعظم أجراً‏)‏ ممن هو أقرب منه فكلما زاد البعد زاد الأجر لما في البعد من كثرة الخطى وفي كل خطوة عشر حسنات قال ابن رسلان‏:‏ بشرط كونه متطهراً وفيه تأمل وهذا الحديث يوافقه خبر مسلم أن المصطفى صلى اللّه عليه وسلم نهاهم عن بيع بيوتهم لبعدها عن المسجد وقال‏:‏ إن لكم بكل خطوة درجة ولا يعارض ذلك الخبر الآتي فضل الدار القريبة من المسجد إلخ لأن كل واقعة لها حكم يخصها فأصل القضية تفضيل الدار القريبة من المسجد على البعيدة فلما ثبت لها هذا الفضل رغب كل الناس في ذلك حتى أراد بنو سلمة بيع دورهم والإنتقال قرب المسجد فكره المصطفى صلى اللّه عليه وسلم أن يعرى ظاهر المدينة فأعطاهم هذا الفضل في هذه الحالة ونزل فيه ‏{‏ونكتب ما قدموا وآثارهم‏}‏ وقال المصطفى صلى اللّه عليه وسلم حين نزلت‏:‏ يا بني سلمة ‏[‏ص 171‏]‏ دياركم تكتب آثاركم ذكره المؤلف وفي الإسناد كما قال الأزدي نظر‏.‏

- ‏(‏حم د ه ك هق عن أبي هريرة‏)‏ قال الحاكم‏:‏ صحيح مدني الإسناد فرد اهـ‏.‏ وأقره الذهبي في التلخيص وقال في المهذب إسناده صالح وفي الميزان المتن معروف‏.‏

3039 - ‏(‏الإبل عز لأهلها‏)‏ أي لملاكها ‏(‏والغنم بركة‏)‏ يشمل المعز والضأن ‏(‏والخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة‏)‏ أي منوط بها ملازم لها كأنه عقد فيها لإعانتها على جهاد أعداء الدين وقمع شر الكافرن وعدم قيام غيرها مقامها في الإجلاب والفر والكر عليهم‏.‏

- ‏(‏ه عن عروة‏)‏ بضم العين ‏(‏ابن الجعد‏)‏ بفتح الجيم وسكون المهملة أو ابن أبي الجعد ‏(‏البارقي‏)‏ بموحدة وقاف صحابي نزل الكوفة وكان أول من قضى بها‏.‏

3040 - ‏(‏الإثمد‏)‏ بكسر الهمزة والميم حجر الكحل المعروف ‏(‏يجلو البصر‏)‏ أي يزيد نور العين بدفعه المواد الرديئة المنحدرة إليه من الرأس كما مر ويأتي ‏(‏ويثبت الشعر‏)‏ بتحريك العين هنا أفصح للازدواج وأراد بالشعر هدب العين لأنه يقوي طبقاتها‏.‏

- ‏(‏تخ عن معبد‏)‏ بفتح الميم وسكون العين المهملة وفتح الموحدة ‏(‏بن هوذة‏)‏ بالذال المعجمة بضبط المصنف وهو الأنصاري كما قال في التقريب كأصله صحابي له حديث أي وهو هذا وهو جد عبد الرحمن بن النعمان‏.‏

3041 - ‏(‏الأجدع‏)‏ بسكون الجيم ودال مهملة مقطوع نحو أنف أو أذن وغلب إطلاقه على الأنف ‏(‏شيطان‏)‏ قيل سمي به لأن المجادعة لمخاصمة وربما أدت لقطع طرف كما سمي المار بين يدي المصلي شيطاناً لكون الشيطان هو الداعي إلى المرور‏.‏ قال الطيبي‏:‏ هو استعارة عن مقطوع الأطراف لمقطوع الحجة‏.‏

- ‏(‏حم د ه‏)‏ جميعاً في الأدب ‏(‏ك‏)‏ كلهم ‏(‏عن عمر‏)‏ بن الخطاب رضي اللّه عنه قال المناوي‏:‏ فيه مجالد بن سعيد قال أحمد‏:‏ ليس بحجة وابن معين لا يحتج به والدارقطني ضعيف وكذا الحاكم اهـ‏.‏ فعزو المصنف الحديث للحاكم وسكوته عن تضعيفه له غير سديد‏.‏

3041 - ‏(‏الإحسان‏)‏ أي المذكور في نحو ‏{‏للذين أحسنوا الحسنى‏}‏ ‏{‏إن اللّه يحب المحسنين‏}‏ ‏{‏هل جزاء الإحسان إلا الإحسان‏}‏ فأل فيه للعهد الذهنيّ قيل وحقيقته سجية في النفس تحمل على مجازات المسيء بجوائز المحسن وقيل هو معرفة الربوبية والعبودية معاً وقيل انفاق المعنى على العيان والإحسان لمن أساء كائناً من كان وقيل هو إتقان العبادة بإيقاعها على وجهها مع رعاية حق الحق مراقبته واستحضار عظمته ابتداءً ودواماً وهو نحو أن أحدهما غالب عليه مشاهدة الحق كما قال ‏(‏أن تعبد اللّه‏)‏ من عبد أطاع والتعبد التنسك والعبودية الخضوع والذلة ‏(‏كأنك تراه‏)‏ بأن تتأدب في عبادته كأنك تنظر إليه فجمع مع الإيجاز بيان المراقبة في كل حال والإخلاص في سائر الأعمال والحث عليهما بحيث لو فرض أنه عاين ربه لم يترك شيئاً من ممكنه والثاني من لا ينتهي إلى هذه الحال لكن عليه أن الحق مطلع عليه ومشاهد له وقد بينه بقوله ‏(‏فإن لم تكن تراه فإنه يراك‏)‏ - قال النووي‏:‏ وهذا الحديث أصل عظيم من أصول الدين وقاعدة مهمة من قواعد المسلمين وهو عمدة الصديقين وبقية السالكين وكنز العارفين ودأب الصالحين وهو من جوامع الكلم التي أوتيها صلى اللّه عليه وسلم وقد ندب أهل التحقيق إلى مجالسة الصالحين ليكون ذلك مانعاً من التلبس بشيء من النقائص احتراماً لهم واستحياء منهم فكيف بمن لا يزال اللّه مطلعاً عليه في سره وعلانيته‏؟‏- أي فإن لم ينته اليقين والحضور إلى هاتيك الرتبة فإلى أن تحقق من نفسك ‏[‏ص 172‏]‏ أنك بمرأى منه تقدس لا يخفى عليه خافية قائم على كل نفس بما كسبت مشاهد لكل أحد من خلقه في حركته وسكونه فكما أنه لا يقصر في الحال الأول لا يقصر في الحال الثاني لاستوائهما بالنسبة إلى إطلاع اللّه وقوله فإن لم إلخ تعليل لما قبله فإن العبد إذا أمر بمراقبة اللّه في عبادته واستحضار قربه منه حتى كأنه يراه شق عليه فيستعين عليه بإيمانه بأن اللّه مطلع عليه لا يخفاه منه شيء يسهل عليه الانتقال إلى ذلك المقام الأكمل الذي هو مقام الشهود الأكبر‏.‏

- ‏(‏م 3 عن عمر‏)‏ بن الخطاب رضي اللّه عنه ‏(‏حم ق ه عن أبي هريرة‏)‏ وفي الباب عن غيره أيضاً‏.‏

3043 - ‏(‏الإحصان إحصانان إحصان نكاح وإحصان عفاف‏)‏ فإن إحصان النكاح هو الوطء في القبل في نكاح صحيح وإحصان العفاف أن يكون تحته من يعفه وطأها عن النظر إلى الوطء الحرم‏.‏

- ‏(‏ابن أبي حاتم طس‏)‏ وكذا البزار ‏(‏وابن عساكر‏)‏ في التاريخ ‏(‏عن أبي هريرة‏)‏ قال الهيثمي‏:‏ وفيه مبشر بن عبيد وهو متروك اهـ‏.‏

3044 - ‏(‏الاختصار في الصلاة‏)‏ أي وضع اليد على الخصر ‏(‏راحة أهل النار‏)‏ يعني اليهود لأن ذلك عادتهم في العبادة وهم أهلها لا أن لأهل جهنم راحة لقوله سبحانه وتعالى ‏{‏لا يفتر عنهم العذاب‏}‏ ذكره الزمخشري‏.‏ وقال القاضي‏:‏ أي يتعب أهل النار من طول قيامهم في الموقف فيستريحون بالاختصار‏.‏

- ‏(‏حب هق عن أبي هريرة‏)‏ قال الذهبي في المهذب‏:‏ قلت هذا منكر ورواه جماعة حفاظ عن هشام اهـ‏.‏ وفي الميزان في ترجمة عبد اللّه بن الأزور هشام بن هشام أتى بخبر ساقط ثم أورد هذا الخبر وساقه في اللسان عن العقيلي وقال‏:‏ لا يتابع على لفظه‏.‏

3045 - ‏(‏الأذان‏)‏ هو لغة الإعلام من الأذن بفتح الهمزة والذال وهو لاستماع الناس من الأذن التي هي آلة السمع كأنه يلقي الشيء فيها وشرعاً كلمات مخصوصة شرعت للإعلام بدخول وقت المكتوبة ‏(‏تسع عشرة كلمة‏)‏ بالترجيع وهو أن يأتي بالشهادتين مرتين سراً قبل قولهما جهراً ‏(‏والإقامة إحدى عشرة كلمة‏)‏ وفي الحديث حجة لما ذهب إليه الشافعي من أن التكبير في أول الأذان أربع إذ لا يكون ألفاظه تسعة عشر إلا بناء على ذلك وذهب مالك إلى أنه مرتين لروايته من وجوه أخر قال القرطبي‏:‏ الأذان على قلة ألفاظه يشتمل على مسائل العقيدة لأنه بدأ بالأكبرية المتضمنة لوجوده تعالى وكماله ثم ثنى بالتوحيد ونفى الشريك ثم بإثبات الرسالة المحمدية ثم دعا إلى الطاعة المخصوصة عقب الشهادة بالرسالة لأنها لا تعرف إلا من جهة الرسول ثم دعا إلى الفلاح وهو البقاء الدائم وهو إشارة إلى المعاد ثم أعاد ما أعاد تأكيداً وحكمة اختيار القول له دون الفعل لسهولة القول وتيسره لكل أحد في كل زمان ومكان‏.‏

<تنبيه> قال العارف ابن العربي رضي اللّه عنه في حكمة ترتيب الأذان إذا نظر الإنسان بعين بصره وبصيرته إلى الأسباب التي وضعها اللّه أعلاماً وشعائر لما يريد تكوينه وخلقه من الأشياء حين سبق في علمه أن يربط الوجود بعضه ببعض ودل البرهان على توقف وجود بعضها على بعض وسمع الحق يعظم شعائر اللّه قال اللّه أكبر أي هي وإن كانت عظيمة في نفسها بما تدل عليه وبما أنه أمر بتعظيمها فهو أكبر منها فلما أتمها كوشف على حقارة الأسباب في أنفسها وافتقارها إلى موجدها ورآها مسبحة خالقها بنطقها وحالها من حيث دلالتها على واضعها قال ثانياً اللّه أكبر أي الذي وضع الأسباب وأمر بتعظيمها أكبر وأتى بها مرتين أخرتين إشارة إلى أنه أكبر بدليل الحس وبدليل العقل ثم تشهد خفياً يسمع نفسه كمن يتصور الدليل أولاً في نفسه ثم يقولها ثانياً نافياً لألوهية كل من ادعاها لنفسه من دون مثبتها ‏[‏ص 173‏]‏ لمستحقها عقلاً وشرعاً هذا كله مع نفسه ثم يرفع بها صوته فيسمع غيره من متعلم ومدع وجاهل وغافل ثم لما شهد بالتوحيد بما أعطاه الدليل مشهد به علماً وقربة بالنداء على أن الرسول جاء به من عند اللّه ثم شرع بعد الشهادتين الحيعلتين ليدعو بالواحدة نفسه وبالأخرى غيره فيقول للخارج والكائن في المسجد ولنفسه ولغيره أقبلوا على ما ينجيكم من عذابه بنعيمه ومن حجابه بتجليه ثم يقول اللّه أكبر اللّه أكبر لنفسه ولغيره ولمن ينتظر الصلاة بالمسجد ولمن هو خارجه في أشغاله أي اللّه أولى بالتكبير من الذي منعكم من الإقبال على الصلاة وإنما لم يرفع الحيعلتين والتكبير الثاني لأن القصد به القربة والعقل لا يستقل بإدراكها فهي للشرع وثنى لكونه خاطب نفسه وغيره ثم ختمه بالتوحيد المطلق لما تضمن الأذان أفعالاً منسوبة للعبد فربما وقع في نفس المدعو أو الداعي إلى فعلها فخيف عليه أن يضيف الفعل إلى نفسه خلقاً كما يراه بعضهم فختم بالتوحيد إشارة إلى تفرده بالخلق وإنما قال في الإقامة قد قامت بلفظ الماضي والصلاة مستقلة إشارة إلى أن من كان منتظراً للصلاة أو آتياً إليها أو مشتغلاً ببعض شروطها فمات قبل إدراكها فقد قامت له الصلاة فجاء بلفظ الماضي لتحقق الحصول فإذا حصلت بالفعل فله أجر الحصول بالفعل وإقامة الصلاة تمام نشأتها وكمالها أي هي لكم قائمة النشأة كاملة الهيئة على حسب ما شرعت فإذا دخلتم فيها وأجرتم الأجر الثاني فقد يكون كالأول في إقامة نشأتها وقولاً كمن يأتي بها خداجاً من حيث فعلها‏.‏

- ‏(‏ن عن أبي محذورة‏)‏ بحاء مهملة وذال معجمة أوس بن معير وقيل سمرة بن معير الجمحي كما مر فظاهر صنيع المصنف أن النسائي تفرد به عن الستة والأمر بخلافه فقد خرجه الترمذي أيضاً بل عزاه القسطلاني لمسلم أيضاً‏.‏

3046 - ‏(‏الأذنان من الرأس‏)‏ لا من الوجه ولا مستقلتان يعني فلا حاجة إلى أخذ ماء جديد منفرد لهما غير ماء الرأس في الوضوء بل يجزئ مسحهما ببلل ماء الرأس وإلا لكان بياناً للخلقة فقط والمصطفى صلى اللّه عليه وسلم لم يبعث لذلك ربه قال الأئمة الثلاثة واستظهروا بآية ‏{‏وأخذ برأس أخيه يجره إليه‏}‏ قالوا بإذنه وقال الشافعية هما عضوان مستقلان وإضاقتها هنا إلى الرأس إضافة تقريب لا تحقيق بدليل خبر البيهقي الصحيح أن النبي صلى اللّه عليه وسلم أخذ لأذنيه ماء خلاف الذي أخذه لرأسه والآية فيها خلاف للمفسرين‏.‏

- ‏(‏حم‏)‏ من حديث سنان بن ربيعة عن شهر عن أبي أمامة قال الذهبي سنان ليس بحجة ‏(‏د ت ه عن أبي أمامة‏)‏ قال ابن حجر عن الترمذي ليس بالقائم وقال الدارقطني في حديث أبي أمامة هذا شهر بن حوشب وليس بقوي ووقفه أصح ‏(‏ه عن أبي هريرة وعن عبد اللّه بن زيد‏)‏ قال ابن حجر كالبيهقي‏:‏ فيه سويد بن سعيد وقد اختلط ‏(‏قط عن أنس‏)‏ وقال‏:‏ إرساله أصح ‏(‏وعن أبي موسى‏)‏ الأشعري ‏(‏وعن ابن عباس‏)‏ وقال‏:‏ تفرد به أبو كامل عن غندر وهو مبهم وتابعه الربيع بن بدر وهو متروك والصواب إرساله ‏(‏وعن ابن عمر‏)‏ بن الخطاب قال أعني الدارقطني وهو وهم والصواب موقوف ‏(‏وعن عائشة‏)‏ قال أعني الدارقطني فيه أبو اليمان حذيفة ضعيف والمرسل أصح ومن ثم قال في الخلافيات‏:‏ هذا الحديث روي بأسانيد كثيرة ما منها إسناد إلا وله علة وقال ابن حزم‏:‏ أسانيده كلها واهية وقال عبد الحق‏:‏ هذه طرق لا يصح منها شيء لكن تعقبه ابن القطان بأن خبر الحبر ليس بضعيف بل حسن أو صحيح وبرهن عليه ومغلطاي بأن خبر أبي هريرة لا علة له إلا من قبل سويد وقد خرج له مسلم وقول البيهقي اختلط منازع فيه‏.‏

3047 - ‏(‏الارتداء‏)‏ وهو وضع الرداء على الكتفين ‏(‏لبسة العرب‏)‏ بضم اللام أي توارثوها عن آبائهم في الجاهلية كانوا كلهم ‏[‏ص 174‏]‏ في إزار ورداء وكانوا يسمونها حلة ‏(‏والالتفاع‏)‏ وهو تغطية الرأس وأكثر الوجه ‏(‏لبسة الإيمان‏)‏ أي أهله لأنهم لما علاهم من الحياء من ربهم ما أخجلهم اضطروا إلى مزيد الستر فرأوا أن الالتفاع أستر لستره ما فيه الحياء وهو الوجه والرأس لأن الحياء من عمل الروح وسلطان الروح في الرأس ولذا قال الصديق رضي اللّه عنه‏:‏ إني لأدخل الخلاء فأتقنع حياء من اللّه فكانوا في الأعمال التي فيها حشمة يعلوهم الحياء كما يعلوها في غيرهم وكان الالتفاع لبسة بني إسرائيل ورثوه عن آبائهم وهذه الأمة أيدت باليقين النافذ لحجب القلوب فمن تقنع من الحياء تقنع لعلمه بأن اللّه يراه علم يقين لا علم تعلم‏.‏

- ‏(‏طب عن ابن عمر‏)‏ بن الخطاب قال الهيثمي‏:‏ فيه سعد بن سنان الشامي وهو ضعيف جداً ونقل عن بعضهم توثيقه ولم يصح وقال غيره‏:‏ وفيه سعيد بن سنان عن أبي الزاهرية قال الذهبي في الضعفاء‏:‏ متهم أي بالوضع‏.‏

3048 - ‏(‏الأرض كلها مسجد‏)‏ أي محل للسجود ‏(‏إلا الحمام والمقبرة‏)‏ فإنهما غير محل للصلاة فيهما تنزيهاً وتصح ما لم تتبين نجاسة محل منها للصلاة كما لو نبشت المقبرة هذا ما عليه الشافعية وأخذ أحمد بظاهره فأبطل الصلاة فيهما مطلقاً ومنع بأن التأكيد بكل ينفي المجاز فدل على الصحة فيهما عند التحرز من النجاسة قال ابن حجر رحمه اللّه‏:‏ وهذا الحديث يعارضه عموم الخبر المتفق عليه وجعلت الأرض طيبة وطهوراً ومسجداً قال الرافعي‏:‏ واحتج بهذا بعض أصحابنا على أنه لو قال جعلت هذه الأرض مسجداً لا تصير وقفاً مسجداً بمجرد هذا اللفظ‏.‏

- ‏(‏حم د ت ه حب ك‏)‏ كلهم في الصلاة وكذا البزار ‏(‏عن أبي سعيد‏)‏ الخدري قال الترمذي‏:‏ حديث في اضطراب وتبعه عبد الحق وضعفه جمع قال النووي رحمه اللّه والذي ضعفوه أتقن من الحاكم الذي صححه وقال ابن حجر في تخريج الشرح هو حديث مضطرب وقال في تخريج المختصر رجاله ثقات لكن اختلف في وصله وإرساله وحكم مع ذلك بصحته الحاكم وقال في تخريج الهداية قال الترمذي‏:‏ فيه اضطراب أرسله سفيان ووصله حماد واختلف فيه علي بن إسحاق وصححه ابن حبان والحاكم قال‏:‏ ويعارضه عموم قوله في حديث جابر وجعلت لي الأرض طيبة وطهوراً ومسجداً متفق عليه وفي حديث أبي أمامة وجعلت لي الأرض كلها مسجداً اهـ‏.‏ وقال ابن تيمية‏:‏ أسانيده جيدة ومن تكلم فيه ما استوفى طرقه‏.‏

3049 - ‏(‏الأرض أرض اللّه والعباد عباد اللّه من أحيا مواتاً فهو له‏)‏ أي فهو ملكه والموات كسحاب وغراب الأرض التي لم يتيقن عمارتها في الإسلام وليست من حقوق عامر فتملك بالأحياء من غير لفظ لأنها إعطاء من المصطفى صلى اللّه عليه وسلم بنص المصطفى صلى اللّه عليه وآله وسلم في هذا الحديث لأنه تعالى أقطعه أرض الدنيا كأرض الجنة ليقطع منها من يشاء ما شاء ولذلك أفتى السبكي بكفر معارض أولاد تميم فيما أقطعه لهم المصطفى صلى اللّه عليه وسلم بأرض الشام‏.‏

- ‏(‏طب عن فضالة‏)‏ بفتح الفاء وضاد معجمة ‏(‏بن عبيد‏)‏ قال الهيثمي‏:‏ رجاله رجال الصحيح‏.‏

3050 - ‏(‏الأرواح‏)‏ التي تقوم بها الأجساد ‏(‏جنود مجندة‏)‏ أي جموع متجمعة وأنواع مختلفة ‏(‏فما تعارف‏)‏ توافق في الصفات وتناسب في الأخلاق ‏(‏منها ائتلف‏)‏ أي ألف قلبه قلب الآخر وإن تباعدا كما يقال ألوف مؤلفة وقناطير مقنطرة ‏(‏وما تناكر منها‏)‏ أي لم يتوافق ولم يتناسب ‏(‏اختلف‏)‏ أي نافر قلبه قلب الآخر وإن تقاربا جسداً فالإئتلاف والاختلاف للقلوب والأرواح البشرية التي هي النفوس الناطقة مجبولة على ضرائب مختلفة وشواكل متباينة فكل ما تشاكل منها في عالم الأمر تعارف في عالم الخلق وكل ما كان في غير ذلك في عالم الأمر تناكر في عالم الخلق فالمراد بالتعارف ما بينهما من التناسب والتشابه وبالتناكر ما بينهما من التباين والتنافر وذلك لأنه سبحانه عرف ذاته للأرواح ‏[‏ص 175‏]‏ بنعوته فعرفها بعض بالقهر والجلال وبعض باللطف والجمال وبعض بصفات أخر ثم استنطقها بقوله ‏{‏ألست بربكم‏}‏ ثم أوردها في الأبدان فالتعارف والتنافر يقع بحسب ذلك والتعارف والتناكر بحسب الطباع التي جبل عليها من خير وشر وكل شكل يميل إلى شكله فالتعارف والتناكر من جهة المناسبة المحكمة بين الفريقين فيميل الطيب للطيب والخبيث للخبيث ويألفه ومنشأ ذلك أحكام التناسب ولهذا قال الشافعي‏:‏ العلم جهل عند أهل الجهل كما أن الجهل جهل عند أهل العلم‏.‏ ‏(‏حكى‏)‏ الشيرواني أن تمرلنك كان يحب رجلاً من معتقدي العجم ويتردد إليه فوجد الرجل في قلبه ميلاً لتمرلنك فتخوف وقال‏:‏ ما المناسبة فمنع تيموراً من دخوله عليه فسأله عن سببه فذكر ما خطر له فقال تمرلنك‏:‏ بيني وبينك مناسبة وهي أنك تحب بيت آل النبي صلى اللّه عليه وسلم وأنا واللّه أحبهم وأنت رجل كريم وأنا أحب الكرم فهذه المناسبة المقتضية للميل لا ما فيَّ من الشر وقد يتفق اجتماع مادّتي الخبيث والطيب في شخص واحد فيصدران منه ويميل لكل منهما بكل من الوصفين ‏(‏نكتة‏)‏ حكى بعضهم أن اثنين اصطحبا في سفينة فقعد أحدهما على طرفها والآخر بوسطها فسقط من على الطرف في البحر فرما الآخر نفسه عليه فأخرجا بالحياة فقال الأول للثاني‏:‏ أنا كنت بطرفها فوقعت فمالك أنت قال لما وقعت‏:‏

أنت غبت بك عني * فحسبت أنك أني

- ‏(‏خ‏)‏ في بدء الخلق ‏(‏عن عائشة‏)‏ لكن معلقاً ولم يصل به سنده كما قاله عبد الحق وغيره فإطلاق المصنف العزو إليه غير سديد ‏(‏حم م‏)‏ في الأدب ‏(‏د عن أبي هريرة طب عن ابن مسعود‏)‏ قال الهيثمي‏:‏ رجال الطبراني رجال الصحيح‏.‏

3051 - ‏(‏الإزار إلى نصف الساق أو إلى الكعبين لا خير في أسفل من ذلك‏)‏ قال الحافظ العراقي في شرح الترمذي‏:‏ قوله لا خير إلخ لأنه إما حرام إن نزل عن الكعبين أو شبهه إن حاذاهما ولا خير في كل من الأمرين اهـ‏.‏ وذلك لما فيه من التشبه بالنساء بل إن قصد الخيلاء حرم مطلقاً وما ذكروه في الإزار حلاً وحرمة وكراهة فهو في القميص فقد خرَّج أبو داود عن ابن عمر ما قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في الإزار فهو في القميص‏.‏

- ‏(‏حم‏)‏ وكذا الطبراني ‏(‏عن أنس‏)‏ قال الهيثمي‏:‏ رجال أحمد رجال الصحيح‏.‏

3052 - ‏(‏الإسبال في الإزار‏)‏ -قال النووي‏:‏ وحكم المسألة أنه لا يجوز الإسبال إلى تحت الكعبين إن كان للخيلاء فإن كان لغيرها فهو مكروه وكذا نص عليه الشافعي والأصحاب وأجمعوا على جواز الإسبال للنساء فقد صح عن النبي صلى اللّه تعالى عليه وعلى آله وسلم الإذن لهن في إسبال ذيولهن ذراعاً وأما القدر المستحب للرجال فإلى نصف الساقين، والجائز بلا كراهة فإلى الكعبين اهـ‏.‏ قال في الفتح‏:‏ والحاصل أن للرجال حالين حال استحباب وهو أن يقتصر بالإزار على نصف الساق، وحال جواز وهو إلى الكعبين، وكذلك للنساء حالان‏:‏ حال استحباب وهو ما يزيد على ما هو جائز للرجال بقدر شبر، وحال جواز بقدر ذراع- قال الطيبي‏:‏ قوله في الإزار هو خبر مبتدأ أي الإسبال المذموم أو الذي فيه الكلام بالجواز وعدمه كائن في هذه الثلاثة الإسبال المذموم والمراد إرخاؤه إلى الأرض ‏(‏والقميص والعمامة فمن جرَّ منها شيئاً‏)‏ على الأرض ‏(‏خيلاء لم ينظر اللّه إليه يوم القيامة‏)‏ أي نظر رحمة ورضى إذا لم يتب فيندب للرجل الاقتصار على نصف الساق وله إرساله إلى الكعبين فحسب وللمرأة الزيادة بنحو شبر قال ابن حجر‏:‏ وفي تصوير جر العمامة نظر إلا أن ‏[‏ص 176‏]‏ يراد ما جرت به العادة من العرب من إرخاء العذبات فمهما زاد على العادة في ذلك كان من الإسبال وقد خرَّج النسائي من حديث جعفر بن أمية عن أبيه كأني أنظر الساعة إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على المنبر وعليه عمامة قد أرخى طرفيها بين كتفيه وقد يدخل في الزجر عن جر الثوب تطويل أكمام القميص ونحوه الذي يظهر أن إطالتها بحيث يخرج عن العادة كفعل بعض الحجازيين يدخل فيه وقال الزين العراقي‏:‏ ما مس الأرض منها لا شك في تحريمه بل لو قيل بتحريم ما زاد على المعتاد لم يبعد‏.‏

- ‏(‏د ن ه عن ابن عمر‏)‏ بن الخطاب قال النووي في رياضه‏:‏ إسناده صحيح وقال المناوي‏:‏ فيه عبد العزيز بن رواد تكلموا فيه‏.‏

3053 - ‏(‏الاستئذان‏)‏ للدخول وهو استدعاء الإذن أي طلبه ‏(‏ثلاث‏)‏ من المرات ‏(‏فإن أذن لك فادخل وإلا‏)‏ أي وإن لم يؤذن لك ‏(‏فارجع‏)‏ لأنه سبحانه وتعالى أمر بالاستئذان بقوله ‏{‏فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم‏}‏ قال ابن العربي رحمه اللّه تعالى ولا يتعين هذا اللفظ‏.‏

- ‏(‏م ت عن أبي موسى‏)‏ الأشعري ‏(‏وعن أبي سعيد‏)‏ الخدري قال‏:‏ كنا في مجلس عند أبيّ بن كعب فأتى أبو موسى الأشعري مغضباً حتى وقف فقال‏:‏ أنشدكم باللّه هل سمع أحد منكم أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول‏:‏ الاستئذان إلخ قال‏:‏ ومم ذاك‏؟‏ قال‏:‏ استأذنت على عمر فسلمت ثلاثاً ثم انصرفت فقال‏:‏ قد سمعناك ونحن على شغل استأذنت كما سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ فواللّه لأوجعن ظهرك وبطنك أو لتأتيني بمن يشهد لك فقال أبيّ بن كعب‏:‏ واللّه لا يقوم معك إلا أحدثنا سناً قم يا أبا سعيد فقمت فشهدت وقضية تصرف المصنف أن ذا مما تفرد به مسلم عن صاحبه وهو ذهول فقد عزاه الحافظ العراقي وغيره إلى البخاري وعبارته في المغني وفي الصحيحين من حديث أبي موسى الاستئذان ثلاث إلخ ولما روى أبو موسى هذا الخبر لعمر في خلافته قال‏:‏ لتأتيني عليه ببينة وإلا فعلت وفعلت فأتي بأبي سعيد وفي رواية فأتي بأبيّ بن كعب فقال‏:‏ سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول‏:‏ يا ابن الخطاب فلا تكونن عذاباً على أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال‏:‏ أحببت أن أتثبت واختلف هل السلام شرط في الاستئذان أم لا‏؟‏ فقال المازري‏:‏ صورة الاستئذان أن يقول السلام عليكم أدخل‏؟‏ ثم هو مخير بين أن يسمي نفسه أو لا قال ابن العربي‏:‏ ولا يتعين هذا اللفظ وفيه أنه لا يجوز الزيادة في الاستئذان على الثلاثة نعم إن علم أنه لم يسمع زاد على الأصح عند الشافعية وحكمة كون الاستئذان ثلاثاً تكفل ببيانها الحديث الآتي على أثره وفيه أن لرب المنزل إذا سمع الاستئذان أن لا يأذن إذا كان في شغل ديني أو دنيوي كذا قيده الحافظ ابن حجر وليس على ما ينبغي بل الصواب فك القيد‏.‏

3054 - ‏(‏الاستئذان ثلاث‏)‏ من المرات ‏(‏فالأولى تستمعون‏)‏ بالتاء المثناة الفوقية أوله بضبط المصنف أي يستمعون أهل المنزل الاستئذان عليهم ‏(‏والثانية يستصلحون‏)‏ أي يصلحون المكان ويسوّون عليهم ثيابهم ونحو ذلك ‏(‏والثالثة يأذنون‏)‏ للمستأذن عليهم ‏(‏أو يردّون‏)‏ عليه بالمنع‏.‏

<تنبيه> قال ابن عربي‏:‏ لما كان أول مطلع الحكمة هو الباء وجب أن يكون في أول رتبة من العدد وهو الزوج الأول ولما خفي الواحد في حجاب الباء جعلت عليه آية من الوتر الذي هو جمع الباء وذلك الحرف هو الجيم فكان كفاية في الإبلاغ والتعريف والإعلان حتى كثر في الشرع ومواقع العلم ظهور أثر الثلاث فيمن له قطرة قبول ومن لم يظهر أثر الثلاث فيه قضى عليه بفقد الفطرة القابلة لما استعملت له الثلاث فيه كان الأولى يخرج ويتحرك من حال الفقد الأول والثانية تطلع على مبادئ ما إليه الوجهة والثالثة تخلص ما إليه الوجهة ويكمل التحقق به ومثل ذلك في الشرائع ‏[‏ص 177‏]‏ ورتب العلم كثير وعليه ورد هذا الخبر ونحوه وهذا الحديث كالذي قبله يقتضي أن المستأذن لا يشرع له طرق الباب لكن محله من قرب محله من بابه أما من بعد عن الباب بحيث لا يبلغه الصوت فيدق عليه الباب كما في قصة جابر المسطورة في البخاري في أبواب الاستئذان‏.‏

- ‏(‏قط في الأفراد عن أبي هريرة‏)‏ قال الزين العراقي‏:‏ سنده ضعيف اهـ‏.‏ وذلك لأن فيه عمر ابن عمران السدوسي قال في الميزان‏:‏ مجهول وقال الأزدي‏:‏ منكر الحديث أحد المتروكين ثم ساق له هذا الخبر مما أنكر عليه‏.‏

3055 - ‏(‏الاستجمار تو‏)‏ بفتح المثناة فوق وشد الواو أي وتر وهو ثلاثة والتو الفرد قال الزمخشري‏:‏ ومنه قولهم سافر سفراً تواً إذا لم يخرج في طريقه على مكان والتو حبل مفتول طاقاً واحداً ‏(‏ورمي الجمار‏)‏ في الحج ‏(‏تو‏)‏ أي سبع حصيات ‏(‏والسعي بين الصفا والمروة تو‏)‏ أي سبع ‏(‏والطواف تو‏)‏ أي سبعة أشواط وقيل أراد بفردية السعي والطواف أن الواجب منهما مرة ولا يثنى ولا يكرر أو أراد بالاستجمار الاستنجاء ‏(‏وإذا استجمر أحدكم فليستجمر بتو‏)‏ ليس تكراراً بل المراد بالأول الفعل وبالثاني عدد الأحجار وفيه وجوب تعدد الحجر لضرورة تصحيح الإيتار بما يتقدمه من الشفع إذ لا قائل بتعيين الإيتار بحجر واحد أي مسحة واحدة قيل وفيه حل الاستنجاء بالحجر مع وجود الماء وهو هفوة إذ مفاد الخبر إنما هو الأمر بالإيتار وأما كونه مع وجود الماء أو فقده فمن أين‏.‏

- ‏(‏م‏)‏ في الحج ‏(‏عن جابر‏)‏ وخرَّج منه البخاري الاستجمار خاصة‏.‏

3056 - ‏(‏الاستغفار في الصحيفة‏)‏ أي في صحيفة المكلف التي يكتب عليه فيها كاتب اليمين ‏(‏يتلألأ نوراً‏)‏ يحتمل أن ذلك التلألؤ يكون يوم القيامة حين يعطى كتابه بيمينه ويحتمل أنه في الدنيا أيضاً فهو يتلألأ فيها من حين كتابته وأعظم بهذه منقبة جليلة للاستغفار والاستغفار استفعال من الغفران وأصله من الغفر وهو إلباس الشيء بما يصونه عن الدنس ومن قيل اغفر ثوبك في الوعاء فإنه أغفر للوسخ والغفران والمغفرة من اللّه أن يصون عبده عن العذاب والتوبة ترك الذنوب على أحد الوجوه‏.‏

- ‏(‏ابن عساكر‏)‏ في التاريخ ‏(‏فر عن معاوية بن حيدة‏)‏ بفتح المهملة وسكون التحتية وفتح المهملة القشيري بضم القاف كما مر وفيه بهز بن حكيم وقد مرَّ قول الذهبي فيه‏.‏

3057 - ‏(‏الاستغفار ممحاة للذنوب‏)‏ بكسر الميم وسكون الثانية مفعلة أي مذهب للآثام لأن الإدمان عليه يخرج العبد من الذنوب ويعيد عليه الستور التي هتكها عن نفسه بارتكاب الخطايا وفي بعض الآثار أن الاستغفار يجيء يوم القيامة محدقاً بأعمال الخلائق له رنين حول العرش يقول إلهي حقي حقي‏.‏